txt

إلسورث كيلي: قرن من الإبداع– نبذة عن صالات العرض

يتضمن المعرض أكثر من 70 عملاً تغطي مسيرة إلسورث كيلي بالكامل، بدءاً من أيامه الأولى كفنان ناشئ في باريس بعد الحرب، وصولاً إلى سنواته الأخيرة كرمز للفن الحديث.

العودة إلى صفحة المعرض

المشاركة مع صديق

الصورة أعلاه: إلسورث كيلي مع عمل "سيتي"، على ضفاف نهر السين، باريس، 1953. الصورة: سانت فورلانو، بإذن من استوديو إلسورث كيلي.

على مدار أكثر من سبعة عقود، كانت الطبيعة والعالم من حولنا مصدر إلهام للفنان الأميركي إلسورث كيلي (1923-2015)، ليُبدِع أعمالاً فنية من شأنها أن تحدد تاريخ الفن التجريدي في القرن العشرين. وقد اقتُرن اسمه في بعض الأوقات مع الرسم الميداني والفن التبسيطي لكنّه لم يتشبث بأي من الحركتين، مما دفعه ليطوّر قاموساً دقيقاً للشكل والخط واللون بناءً على حس ملاحظاته لبيئته المباشرة. اشتُهر إلسورث كيلي بالأسطح ذات الألوان المشبّعة والأشكال المحدّدة بدقة والتي تمتلك سمات كل من الرسم والنحت، إضافة إلى إشراكه للجدار والأرضية في تركيباته الفنية.

"إلسورث كيلي: قرن من الإبداع" هو ثمرة تعاون لعدة سنوات بين متاحف قطر في الدوحة ومؤسسة لويس فويتون في باريس ومتحف غلينستون في بوتوماك بولاية ماريلاند. ويُصوّر هذا المعرض التاريخي كعرض توثيقي لتطور إلسورث كيلي الفني، بدءاً من أولى تجاربه وصولاً عند آخر لوحاته. وبذلك يسلّط الضوء على الموضوعات المهمة التي استمرت طوال مسيرة الفنان المتشعبة. واحتفاءً بذكرى ميلاده المئوية، فإن "إلسورث كيلي: قرن من الإبداع" هو المعرض الأكثر شمولاً لأعماله منذ ما يقارب ثلاثين عاماً، إذ يُبرز مجموعة متنوعة من أعماله الفنية التي تضم اللوحات والنحت والرسم والكولاج والتصوير الفوتوغرافي.

وُلد إلسورث كيلي في نيوبورغ بولاية نيويورك عام 1923. وعلى إثر تجنيده في صفوف جيش الولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية، انقطع الفنان عن الدراسة في معهد برات بمدينة بروكلين. أثناء خدمته العسكرية مع وحدة جيش الأشباح، الكتيبة المتخصصة في هندسة التمويه، صمّم الفنان ملصقات دعائية ونماذج أزياء رسمية موحدة، كما شارك في عمليات قتالية كبرى في أوروبا. ليستأنف بعد الحرب تعليمه الفني في مدرسة متحف الفنون الجميلة في بوسطن.

"بدلاً من أن أبدع صورة تعكس تفسيراً لشيء مرئي أو أخرى تحاكي مادة مبتكرة، فقد وجدتُ شيئاً ما و"قدمته" على أنه موضوع قائمٌ بذاته."

—إلسورث كيلي، 1969

بفضل منحة جي آي بيل الدراسية التي غطّت تكاليف سفره ومعيشته، انتقل كيلي إلى باريس عام 1928، وأطلق العنان في خوض فترة تحوّلية من الإنتاج الفني دامت ست سنوات. استمر الفنان في توثيق قطع النوافذ والجسور والظلال وإشارات الطرق، قبل أن يبدأ في صقل الأشكال من خلال تقليص العمق إلى بعدين والاعتماد على الألوان الأحادية وتبسيط الصور المعقدة إلى أشكال هندسية. وخلال هذه الفترة، ربط كيلي لأول مرة عدة ألواح ملونة ببعضها البعض ليُبدع عملًا فنياً واحداً. على سبيل المثال، عمله "نافذة، متحف الفن الحديث، باريس" (1949) مركّب من لوحتين قماشيتين ممتدتين داخل إطار واحد، وقد اعتمد فيه على نسب وترتيب المفاصل أو الأعمدة المقسمة لنوافذ متحف الفن الحديث في باريس. وبهذا العمل المتميز، طمس كيلي الخط الفاصل بين الرسم والنحت، في حين ابتعد بشكلٍ جذري عن الفن التمثيلي. وقد ذكر كيلي تفضيله لهذا التحوّل حين قال: "وبدلاً من أن أبدع صورة تعكس تفسيراً لشيء مرئي أو أخرى تحاكي مادة مبتكرة، فقد وجدتُ شيئاً ما و"قدمته" على أنه موضوع قائمٌ بذاته".

إن الفترة التي قضاها كيلي في باريس دفعته ليغيّر تماماً مفهومه وتصوّره عن الرسم، فسرعان ما تخلى عن الرسم التصويري الذي اتبعه في سنوات تكوينه لتفضيله أسلوب الملاحظة الدقيقة لكل ما يحيط به. ويأتي هذا التحوّل الجذري نتيجة لانغماسه في الأشكال الملونة والمرنة للوحات هنري ماتيس، وخطوط منحوتات كونستانتين برانكوسي، وتبنّي جان آرب للصدفة كأداة تشكيلية.

وينعكس نهج الفنان هذا في العملين المعروضين في المعرض من سلسلة "لا كومب"، التي صمّمها صيف 1950 خلال زيارته لفيلا لاكومب في مدينة ميشرز سور جيروند الفرنسية. وهناك وعلى مدار اليوم، كان كيلي يضع مُسوَّدَته ويصوّر سلالم الفيلا فيما تتحرك الظلال المنبعثة من الدرابزين مع مرور الساعات. ثم يقسّم تركيبته إلى تسعة أجزاء لمحاكاة درجات السلم، ويُدير بعد ذلك اتجاهها لإبعادها أكثر عن مصدرها. والعناصر متعددة الألوان، التي قُدّمت بتباين جريء مقابل اللون الأبيض، تُبرز توتراً ضمنياً بين المقدمة والخلفية، وهو ابتكار أساسي في أسلوب الفنان.

خلال هذه الفترة، قدمت عناوين أعمال كيلي في كثير من الأحيان أدلة توحي بمصادر إستلهامه، فمثلاً لوحة "نهر السين" (1951)، وهي مجموعة من المربعات السوداء والبيضاء رُتبت بمحض الصدفة في إطار شبكي، تستحضر وميض الضوء على سطح النهر الباريسي.

على عكس ضربات الفرشاة الإيمائية لرسامي التعبير التجريدي مثل جاكسون بولوك ووليم دي كونينغ، الذين هيمن أسلوبهم الفائق على الفن الأميركي في الأربعينات، فإن أعمال إلسورث كيلي للأسطح الأحادية اللون والمسطحة، تميل إلى تخفيف التأثير وإخفاء يد الفنان. إضافة إلى تخلّيه الجزئي عن اتخاذ القرارات في فنه والاتجاه نحو أسلوب قائم على الصدف، كما هو الحال مثلاً في العملين الفنيين "رسم مُقطَّع أعيد ترتيبه صدفةً " (1950)، و"ساناري" (1952) الموجودين في المعرض.

TBC

إلسورث كيلي، "لوحة لجدار أبيض"، 1952، ألوان زيتية على قماش، خمس لوحات متصلة. متحف غلينستون، بوتوماك، ماريلاند. © مؤسسة إلسورث كيلي. الصورة: رون أمستوتز.

"لوحة لجدار أبيض" (1952)، وهي واحدة من آخر اللوحات التي رسمها الفنان أثناء إقامته في باريس، تبسّط المجموعة الكثيفة من الألوان والحقول في الكولاجات السابقة وتستغني عن الترتيب المنظم للإطار الشبكي. وفي هذا العمل المحوري، تتشكل تركيبة ديناميكية بمجرد تجاور ألواح فردية بألوان عالية الكثافة، في هذه الحالة اللونين الأبيض والأسود. يعلن كيلي بتحديده في عنوان العمل الفني بأنه مخصص لجدار أبيض، أن تجربته هذه تمتد إلى ما هو أبعد من محيط اللوحة. وقد وصف ذلك عام 1990 في قوله "لقد أصبحت الألواح المتصلة صورة في حد ذاتها، وبالتالي فقد نقلت الخلفية من سطح اللوحة القماشية إلى الجدار. مما أنتج لوحة لا ينحصر الاهتمام فيها وحسب، بل أيضاً في علاقتها بالأشياء خارجها".

في عام 1954، عاد كيلي إلى مدينة نيويورك واستقر في كوينتيس سليب، وهو حي صغير في الطرف الجنوبي الشرقي من مانهاتن، حيث انضم إلى مجتمع الفنانين الذي كان فيه روبرت إنديانا وأغنيس مارتن وجاك يونغرمان. تقاسم الفنانون في هذ المجتمع الموارد المادية والفكرية ووحدّهم اهتمامهم المشترك في دفع حدود الفن التجريدي.

وخلال هذه الفترة الإبداعية، صقل كيلي الأشكال الموجودة إلى سماتها الأساسية بمفردات بصرية مقيدة بشكل متزايد. وقد عاد مراراً وتكراراً إلى الأشكال نفسها، مبدعاً تراكيب بسيطة خادعة نتجت عن تفاعل مجموعة معقدة من المتغيرات، كما يتضح في تجاربه الأولى مع الأشكال المستديرة. عمله "الأطلسي" (1956)، يُعد أول لوحة يرسمها بالأبيض والأسود تحاكي قوساً مستوحى من ظل مُلقى على كتاب مفتوح، ومركبة من لوحين متصلين عند درزة خيط تتوافق مع غلاف الكتاب الذي وضع فيه الفنان خطاطة فكرته.

وفي لوحته "رسم في ثلاثة ألواح" (1956)، يخرج كيلي عن المألوف أكثر فأكثر بإبداع لوحة فنية واحدة من ثلاثة ألواح بأحجام مختلفة. وعلى الرغم من أنه سبق له وأن جمع عدة ألواح مع بعضها البعض، إلا أن هذه اللوحة من أولى أعماله التي تدمج المساحة السلبية (الفراغ) بين كل لوح مطلي وآخر في التكوين النهائي.

لطالما أسَر العالم الطبيعي مشاعر كيلي، فافتتانه العميق به يتضح جلياً في رسومات النباتات التي باشرها منذ بداية مسيرته المهنية ورافقته حتى نهاية حياته. وفي هذا الصدد ذكر الفنان بأنه "أراد تسطيح" الأشكال التي وجدها في الطبيعة وشبّهها بالبورتريهات. فقد كان دائماً ما يحذف كل إشارة توحي بوجود الخلفية أو السياق، ليسمح لضربات أشكاله المحددة والواضحة بأن تحتل الصدارة في أعماله.

والصور التي تنتج عن الخطوط المبسّطة وغياب العمق ماهي بالصور التمثيلية ولا بالتجريدية، وإنما هي تأملات الفنان في الشكل. فمنذ ابتعاده عن الرسم التصويري عام 1949، تعمّد كيلي إخفاء أدلة عمله بالفرشاة في لوحاته. ولذلك، تُظهر الرسومات النباتية الفرص النادرة التي سمح فيها الفنان بأن تكون يده حاضرة في العمل.

رغم تفانيه في هذه الممارسة، لم يعرض كيلي رسوماته النباتية علناً حتى عام 1969، عندما أُدرجت في "معرض نيويورك للرسم والنحت: 1940-1970" في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك.

TBC

إلسورث كيلي، "تشاتهام 5: أحمر أزرق"، 1971، ألوان زيتية على قماش، لوحتين متصلتين. متحف غلينستون، بوتوماك، ماريلاند. © مؤسسة إلسورث كيلي. الصورة: رون أمستوتز.

في عام 1970، انتقل كيلي من مانهاتن إلى سبنسيرتاون بولاية نيويورك، وهي بلدة صغيرة تقع على بعد 130 ميلاً شمال المدينة. وفي تشاتهام القريبة، استأجر استوديو في دار أوبرا قديمة كان أكثر اتساعاً من أي مكان شغله سابقاً، مما سمح له بإنتاج لوحات أكبر حجماً وبأشكال غير منتظمة. وتعد "تشاتهام"، سلسلة اللوحات كبيرة الحجم، المجموعة الأولى التي أنجزها في مساحة عمله الجديدة هذه. وقد بناها منطلقاً من فرضية واحدة، وهي تركيب كل لوحة بوضع مستطيل أفقي فوق مستطيل عمودي بحيث تكون حوافها اليسرى متساوية مع بعضها البعض، مما يخلق شكل حرف L مقلوب. وأسفر تنويع ألوان وأبعاد كل لوح إلى إنتاج 14 لوحة فنية ضخمة، لكل منها ألوان ونمط وتوازن فريد من نوعه.

"أحب العمل من الأشياء التي أراها سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان أو مزيجاً بين الاثنين. لطالما كانت الأشياء التي أهتم بها موجودة."

—إلسورث كيلي، 1963

عقِب استعارته لكاميرا لايكا من أحد أصدقائه وأثناء تواجده في فرنسا بداية الخمسينات، انطلق كيلي في التقاط صور لما يحيط به. فكانت هذه الصور الفوتوغرافية بمثابة الخطاطات أو الرسومات التي تلتقط افتتانه بالأشياء البسيطة. فمن منظور عدسته، تصبح الظلال الخطية عند المدخل، والمنحنيات المتشابكة لغصن أجرد، وحتى الحطام المتناثر على جانب الطريق، مواقعَ لإمكانات إبداعية. وعلى الرغم من استحالة تتبّع أي صورة فوتوغرافية إلى مصدر خامتها كلوحةٍ فنية أو منحوتةٍ معينة، إلا أن هذه الصور غير المزيّنة تبين منهج كيلي في استبصار العالم من حوله.

وفي هذا الصدد ذكر كيلي عام 1963 قائلاً: "أحب العمل من الأشياء التي أراها سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان أو مزيجاً بين الاثنين". و"لطالما كانت الأشياء التي أهتم بها موجودة، تماماً مثل فكرة الظل لما هو طبيعي، على غرار ظلال الأهرامات أو ظل صخرة ما، فما يعنيني هو كتلتها وظلها، وليس ملمسها أو ماديتها."

التقطت هذه الصور المعروضة في المعرض بين عامي 1950 و1982 وهي من مجموعة متحف غلينستون. تصفّح قائمة الصور الكاملة بالعناوين والتواريخ.

منذ بداية مسيرته المهنية، تحرّك كيلي في أعماله بسلاسة بين البُعدين والثلاثة أبعاد، معيداً تخيل الخطوط الدقيقة المحددة للوحاته المرسومة بنحت نافر ومنحوتاته. وفي أواخر الخمسينات، أبدع كيلي منحوتات منفردة لأول مرة، حيث صنع أعمالاً من المعدن عليها طبقة رقيقة من الطلاء. ومع اتساع مساحة استوديو عمله وكذا تطلعاته، اتسع نطاق ممارسته للنحت. كما امتدّ حَيّز الخامات التي كان يستخدمها في أواخر السبعينات، ليباشر تصوير أشكال من خشب البلوط الخام والخشب الأحمر والحديد والفولاذ والألمنيوم.

وفي عام 1978، استعان كيلي ببيتر كارلسون من شركة كارلسون وشركاه لتصنيع منحوتاته. وقد مكّنت دقة كارلسون وخبرته الهندسية الفنان من متابعة التصميمات العامة التي كُلّف بها بنشاط وإنتاج أعمال أكثر تعقيداً وعلى نحوٍ متزايد. على سبيل المثال، يعد عمله "منحنيات بيضاء 2 " (1978) أول ثمرة تعاون بينهما، وهو العمل الفني الذي يتخذ من فكرة الطيّ موضوعاً له، أي بمعنى تلك اللحظة التي يصبح فيها المستوى ثنائي الأبعاد (المستوى المسطَّح) ثلاثي الأبعاد (المستوى المُجسَّم). يتألف هذا العمل، المصنوع من الألمنيوم المطلي، من جزأين دائريين مختلفين في الحجم، أحدهما فوق الآخر بحيث تسمح الفراغات بين المستويين المطليين والجدار بمرور الضوء من خلالها. فتنتج ظلالاً تجعل الأشكال تبدو كما لو كانت جزءاً من دائرة كاملة مطوية على نفسها. وبالفعل أصبحت شركة كارلسون وشركاه متعاونة مع كيلي منذ فترة طويلة، مما ساعد الفنان على تنفيذ منحوتات كبيرة الحجم مثل عمله "بدون عنوان" (2005)، وهو عبارة عن منحوتة بطول 45 قدماً صُمّمَت خصيصاً لموقع محدد على أرضية متحف غلينستون.

حظي كيلي بعد انتقاله إلى شمال ولاية نيويورك بالوقت والمساحة الكافيين للتفكير، فأعاد النظر في خطاطاته ورسوماته القديمة، وجمع أرشيف بصري يختص بالمفاهيم والموضوعات والأشكال التي شغلته منذ عقود. فكان تأمله لهذه الأفكار الماضية، هو المحفز والدافع لاستكشاف أفكار جديدة. كما استطاع، بفضل مكان عمله الكبير، زيادة حجم الأشكال التي كانت فيما مضى أفكاراً مخطوطة في مسودة. استغرق كيلي التفكير في المنحنيات الرقيقة وصنع بنحوٍ متزايد أشكالاً مميزة تناسب لوح ألوانه الجريء. فبالنسبة له، كان التوليف بين الأشكال الفريدة والأسطح أحادية اللون هو ما يبرز كينونة اللوح المطلي أو كما كان يقول في كثير من الأحيان "حضوره". ويتضح ذلك جليّاً في لوحة "ثلاث ألواح رمادية" (1987)، التي استخدم فيها جدران الاستوديو كخلفية للشكل، مستعيناً بالهندسة المعمارية كعنصر أساسي في تركيبته الكُلّية.

"أعتقد أن ما نريده جميعاً من الفن هو الإحساس بالثبات، الإحساس بمعارضة فوضى الحياة اليومية. هذا بطبيعة الحال يعدّ وهماً، فما حاولت أن ألتقطه هو حقيقة التدفق، للحفاظ على الفن كحالة مفتوحة وغير مكتملة، وللوصول إلى متعة الرؤية."

—إلسورث كيلي، 1996

طوال مسيرته الفنية، غالباً ما عاد كيلي إلى النحت النافر (أو ما يسمى كذلك بالنقش البارز أو فن التضريس). فجرّب، استلهاماً بالتفاصيل المعمارية التي لاحظها أثناء رحلاته وحياته اليومية، النتوء والانحسار في الألواح المطلية، مما أدى إلى تغيير المنظورات في هندسة أعماله الجديدة. وسواء كانت أعماله عبارة عن لوحات متعددة الألواح أو إنشاءات خشبية، كما هو معروض في قاعات العرض، فإن منحوتات الفنان النافرة تجسد انشغاله بالعلاقة بين الرسم والنحت.

يتضمن المعرض مجموعة من الأعمال الفنية التي صُنعت في عامي 2008 و2009، تبرز الأسطح متعددة الطبقات حضور كل لوحة. ومن خلال عمقها وألوانها المتباينة، تستحضر أعمال كيلي للنحت النافر لغةً عادةً ما تكون مخصصة لوصف المنحوتات، على غرار الوزن والظل والتوازن والفراغ.

طوّر كيلي وصقل، منذ باكورة أعماله الفنية، مفردات الشكل واللون التي اتسمّت بالاختزال بدلاً من الإيماءات، فالأسطح اللونية المطلية بشكل موحد من أعماله، تطرح نقيض التقنيات العفوية والتعبيرية التي ميزّت أسلوب معاصريه، كما ترسم مساراً فريداً في فن التجريد الأميركي. تحتضن قاعة العرض الأخيرة من المعرض أعمال كيلي الفنية التي أنجِزت بين عامي 1993 و2014، لتحاكي التزامه بالأشكال الهندسية والعلاقات اللونية المعدلة بدقة، فضلاً عن عودته إلى تلك الأفكار التي أنهكته في بداية مسيرته الفنية.

وهنا، تجدر الإشارة إلى فكرة ترتيب ألوان الطيف– وهي 12 لوناً أساسياً وثانوياً وثالثياً في عجلة الألوان– والتي استكشفها كيلي في سلسلة "طيف". ويذكر أنه بدأها في باريس عام 1953، وأبدع فيها تسع لوحات على مدار 61 عاماً، قبل أن يختتمها بلوحة "طيف 9" (2014). تتألف هذه اللوحة الأخيرة من 12 لوحاً متصلاً ببعضه البعض من خلال الطلاءات الممزوجة بعناية، كما تُظهر مهارة كيلي في التعامل مع التباين اللوني والتأثيرات البصرية التي يستحضرها.

قال كيلي عام 1996: "أعتقد أن ما نريده جميعاً من الفن هو الإحساس بالثبات، الإحساس بمعارضة فوضى الحياة اليومية"، و"هذا بطبيعة الحال يُعدّ وهماً، فما حاولت أن ألتقطه هو حقيقة التدفق، للحفاظ على الفن كحالة مفتوحة وغير مكتملة، وللوصول إلى متعة الرؤية".

حافظ إلسورث كيلي على ممارسة فنية نشطة قبل أن تتوفاه المنية عام 2015 عن عمر يناهز 92 عاماً. وقد صاغ فضوله وانخراطه في كيفية رؤية المرء للعالم وتحركه من خلال العالم ممارسة بدت فيها الاحتمالات غير محدودة.

TBC

إلسورث كيلي، "مُنحَنَى أصفر"، 1990، أكريليك على قماش على خشب. متحف غلينستون، بوتوماك، ماريلاند. © مؤسسة إلسورث كيلي. الصورة: رون أمستوتز.

شكّل إلسورث كيلي مسار الفن في القرن العشرين من خلال نهجه الفريد في صناعة الفن. ومن خلال استكشاف العلاقات بين الشكل واللون والخط والفراغ، ابتكر الفنان أعمالاً تفاعلت مع الهندسة المعمارية وغالباً ما كانت تطمس الحدود الفاصلة بين الرسم والنحت. تنصّل الفنان من خلال تكويناته التجريدية الجريئة من التصنيف السهل، لتيجنب معايير الحركات الفنية ويبتكر منطقة جديدة رسّخت مكانته في قانون التجريد الأميركي.

في عام 1990، كلّفت مؤسسة بورتيكوس للفن المعاصر في فرانكفورت كيلي بتصميم العمل الفني "مُنحنَى أصفر"، وهو الأول في سلسلة من خمس لوحات أرضية. ومنذ الخمسينات، اعتبر الفنان البيئة التي يُركّب فيها العمل الفني جزءاً لا يتجزأ من تكوينه النهائي. استخدم كيلي مخطّط المعرض كنقطة انطلاق لتحديد حجم العمل وشكله، لكي يتفاعل مع الطبيعة الفريدة لمساحة المعرض، الممثلة في غرفة واحدة ببورتيكوس، فأعماله الأرضية هذه ترمز إلى انشغاله الأساسي بعزل الأشكال والتركيز على علاقتها بالألوان والهندسة المعمارية.

وهنا، يُحوّل "مُنحنَى أصفر" طريقة تفاعل المشاهد مع مساحة العمل التركيبي. وكما وصف الفنان، صُمم هذا العمل ليعطي مجالاً لمرور "الهواء من خلف اللوحة"، إضافة إلى تركيبه ووضعه في الموقع باستعمال خامات ترتبط تقليدياً بالنحت، مثل القاعدة الخشبية وطبقات المواد اللاصقة وطلاء الأساس والقماش الشبكي الموضوع بعناية، مع الطبقات العديدة من طلاء الأكريليك الأصفر من نوع الكادميوم. يذكر أن كيلي قد تصوَّر أن اللون الأصفر في النهاية "يطفو" داخل غرفة بيضاء.

العودة إلى صفحة المعرض